بملامح يعلوها جليد من التبلد واللامبالاة ونوع من الغلظة، قال الشاب خلف مكتب الهجرة بالمطار حين وصل دوري لختم جواز سفري قادمة لحضن بلادي: تعالي! حينها تسارع تدفق الدم في عروقي بسرعة فائقة، وتسارعت دقات قلبي، وتزايد نبضي واحتقان وجهي، وربكة أطرافي، أسلوبه كان مفاجئاً ليس لأني لا أستحق مثل تلك المعاملة، بل لأن بلادي لا تستحق تعاملًا كهذا في واجهة منافذها، وهي التي تستقبل كل ضيوفها. تصرف يحمل طاقة سلبية يبعثها مثل هذا "الاستقبال" خاصة من موظفين من أبنائها الشباب الذين يعملون في الجوازات، والذين أغلبهم في مقتبل العمر والنشاط والحيوية، ويفترض فيهم التطلع نحو الأمل وحب الحياة وتقديم صورة تعكس الواجهة الحضارية لوطننا. حين تبدأ صباحك بابتسامة، وبالتواصل مع من تحب، يصبح يومك كما تحب، فقلوبنا بحاجة دوماً لقلب يحيط بنا وكفه وابتسامته التي تستدعيها ابتسامتنا في وجهه، ولا يمكن أن يعيش الإنسان وحيداً، وهو الاجتماعي بطبعه، ولا يكسب قلوب من حوله إلا بتلك الرسالة التي تبعثها "الساحرة" الابتسامة، وهي الخطاب واللغة الوحيدان اللذان يجيدهما العالم، كل العالم ولا تحتاج الابتسامة إلى علم وترجمة. شبابنا، الذين يمثلوننا عند مداخل البلاد ومخارجها، أكفاء لذلك، وهم دوماً عند حسن ظن قيادتهم ومجتمعهم، ولكن - ودون تعميم- بحكم تجربة بعضهم القليلة في الحياة، وهم في مقتبل العمر، يحتاجون إلى تكثيف تدريبهم على كثير من بروتوكول الاستقبال وحسن الترحيب بضيوفهم، واتقان فن الابتسامة، والإيمان بها أولاً، فمن تخلو روحه من هذا البلسم لا يمكن أن تؤثر فيه مئات الدورات التدريبية، ولو جئنا بأكبر الخبراء في علم الاتصال وخدمة الجمهور. نفسياً هم بحاجة للتقييم أولًا، قبل شروط حُسنِ المظهر وغيره، والذي لا يقل أهمية عن الجوهر وضرورة اتزانه، كما يجب أن لا يُغفل جانب انتماء هؤلاء الشباب لما يقومون به من عمل، يجب أن يدركوا أهمية موقعهم بالنسبة لبلادهم، وأن يؤمنوا فعلًا أنهم هم من يعطون الضيف انطباعه الأول عن هذه الأرض وأهلها، وهم بمثابة سفراء واجهة القيم الإماراتية، لدى الآخر القادم، فإن لم يكن قلبك مثمراً بالجمال .. كيف ستُهدي الزهور لقلوبهم؟ في إحدى الدول التي زرتها كانت أغلب مكاتب الدخول والتدقيق على الجوازات من الشرطة النسائية، وأسرني لطف الترحيب وهدوء الملامح، برغم الزحمة وضغط الضيوف، إلا أنه لا توجد تشنجات أو تلك التعابير التي لسان حالها يصرخ بوجهك "اخلص"! لا يمكن وصف ما بثته فينا ملامح الترحيب من هدوء وراحة، وخصوصاً أن أغلبنا في العادة يكون مثقلاً بتعب الرحلة والمسافة، وأحياناً أيضاً يخبئ في عباءة ومعطف عاطفته وجع الوداع وأنين الفراق، وتجهم وجه الغربة، فيكون بحاجة لمن يُربت على قلبه ولو بابتسامة صغيرة. الابتسامة لا تحتاج شرحاً ولا إجادة لغات ولا تفسيراً، فهي عطر يتسلل للروح ويبقى معلقاً بثناياها أياماً طويلة، وأحياناً عمراً بأكمله، فمن منا لا يذكر ابتسامة معينة رافقته منذ طفولته، لشخص عابر لا يعرف له اسماً ولا هوية، كانت هويته تلك الابتسامة التي أصبحت له بداخلنا مع السنين وطناً. قارئي الكريم ...ازرع في القلوب ابتسامة...حتماً ستستظل بظلها يوماً.